الرياضيات كالبيانو، الرياضيات البحتة: كالمفاتيح البيضاء، الرياضيات التطبيقية هي مثيلتها السوداء. كل مفتاحٍ هو حقلٌ مُعيَّن من الرياضيات (الجبر، الهندسة…،). إذا استطعنا أن نفهم هذا، فسنفهم أنه لا يوجد فرقٌ في الأساس في الرياضيات بين البحتة والتطبيقية. فإذا أنت لعبت المفاتيح البيضاء فقط أو السوداء فقط، فستحصل على موسيقى ناقصة، عاجزة. كل النغمات مهمة، البحت منها والتطبيقي، لخلق موسيقى جميلة، فلو أن أحدهم حاول أن يخلق تخصصاتٍ داخل الرياضيات بالإبقاء فقط على الأجزاء “المفيدة”، فكأنه بذلك يقيدها بسوارٍ خانق، فلن تكون الرياضيات قادرةً على أداء الدور المرجو منها، ولن تقدر في نهاية الأمر على تقديم حتى هذه الأجزاء “المفيدة”.
علماء الرياضيات مثل الملحنين، معظمنا مثلًا، كرياضين عاديين، نؤلف الموسيقى باستخدام نغمات محدودة العدد، بعضنا يكون أبرع مع النغمات البيضاء، وبعضنا مع السوداء. الرياضيون العظام فقط هم المتمكنون من التعامل مع كل هذه النغمات، جاوس، أويلر، بوينكاريه، هل كان هؤلاء علماء رياضة بحتة أم تطبيقية؟
كل نظريةٍ هي مقطوعةٌ موسيقية، فالرياضيون يعرفون العزف على البيانو، يجيدون عزف مقطوعات ألفها غيرهم، يعرفون كيف يفهمون ويتذوقون عمل الملحنين الآخرين.
لكن الرياضيات ليست مجرد بيانو عادي، الرياضيات هي بيانو سحري! عباقرة الرياضيات لا يؤلفون الموسيقى باستخدام النغمات المعروفة فقط، بل يخلقون نغماتٍ جديدة، حقولًا جديدةً من الرياضيات: نغماتٌ بيضاء، وتطبيقاتٌ جديدة للرياضيات: نغماتٌ سوداء. البيانو يصير أكبر فأكبر، ويعطينا مجالًا أكبر للعب ألحان أكثر تعقيدًا.
كما أن الرياضيين، بعكس الملحنين، قادرين على تأليف الموسيقى سويًا. أمثالنا من الرياضيين الفانين منفردين، قد لا يكونون بارعين بما يكفي لاستخدام كل النغمات، لكنهم متحدين، يصبحون قادرين على صنع مقطوعات موسيقية تجمع نغمات عديدة في صورة جميلة. أما حين يعملون منفصلين، أو متخصصين، لا يعود بإمكانهم صنع المقطوعات الجميلة، بل إنهم يصبحون غير مفيدين للعالم من حولهم.
المصدر: